جمعية الآفاق للتربية و الثقافة ببوزنيقة
مرحبا بكم(ن) في منتداكم(ن)
سجل(ي) لكي تشارك(ي) في مواد المنتدى
جمعية الآفاق للتربية و الثقافة ببوزنيقة
مرحبا بكم(ن) في منتداكم(ن)
سجل(ي) لكي تشارك(ي) في مواد المنتدى
جمعية الآفاق للتربية و الثقافة ببوزنيقة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

جمعية الآفاق للتربية و الثقافة ببوزنيقة

المقر 116، حي الرياض، بوزنيقة . المغرب- Tél: 0512099251
 
الرئيسيةالرئيسية  PortailPortail  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

 

 نظرات في الثقافة / الدكتور عبدالرحمن الفريح

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
صالح
مدير المنتدى
مدير المنتدى



عدد المساهمات : 57
تاريخ التسجيل : 13/09/2009
الموقع : بوزنيقة

نظرات في الثقافة / الدكتور عبدالرحمن الفريح Empty
مُساهمةموضوع: نظرات في الثقافة / الدكتور عبدالرحمن الفريح   نظرات في الثقافة / الدكتور عبدالرحمن الفريح I_icon_minitimeالأربعاء 11 نوفمبر - 14:35

مصطلح الثقافة من المصطلحات المستجدة التي يضيق المدلول اللغوي عن تحديدها تحديداً دقيقاً والحديث عن الثقافة يثير دائماً إشكالية التعريف وينشغل بها والثقافة بشموليتها ومعناها العام الشائع لا تتصل بالمدلول اللغوي الموجود في المعاجم العربية إلاّ على ضروب من التأويل والمجاز لا تستقيم في كل الأحوال .
ورد في تعريفات المعاجم وكتب الاشتقاق قولهم ثَقُف ثَقْفاً وثقافة أي صار حاذقاً فطناً خفيفاً فهو ثَقْف ومنه المثاقفة والثِّقاف ما تسوَّى به الرماح وتثقيفها تسويتها وخَلُّ ثقِّيف بالتشديد أي حامض جداً مثل قولنا بصل حِرِّيف وفي اصطلاح مجمع اللغة العربية أنَّ الثقافة هي كل ما فيه استنارة للذهن وتهذيب للذوق وتنمية لملكة النقد والحكم لدى الفرد أو في المجتمع .. وأن الثقافة ذات طابع فردي وتنصب بخاصة على الجوانب الروحية في مقابل الحضارة التي هي ذات طابع اجتماعي ومادي غير أن الاستعمال المعاصر يكاد يسوي بين المصطلحين .
إن هذا التعريف من المجمع ليس دقيقاً فشمولية الثقافة أوسع من أن تحصر بهذه الماهية التي تحصرها بأنها ذات طابع فردي فالثقافة هي العلوم والمعارف والفنون في مقابل الحضارة التي تتعلق بالمنجزات المادية العملية والمخترعات وورد في الموسوعة العربية إنَّ الثقافة تشتمل على الفنون والمعتقدات والأعراف والاختراعات واللغة والتقنية والتقاليد ويماثل مصطلح الثقافة الحضارة غير أن المصطلح الأخير يشير في الأغلب إلى طرائق الحياة الأكثر تقدماً أمّا الثقافة فهي أسلوب للحياة بسيطاً كان أم معقداً.
لا تكاد تختلف تعريفات مادة ثقف في معاجم اللغة عن بعضها فثُقفت الشيء حذقته وثقِفته إذا ظفرت به وثَقُف الرجل ثقافة أي صار حاذِقاً خفيفاً وحديث (وهو غلام لقن ثَقُف) أي ذو فطنة وذكاء وثَقُف الخَلُّ ثقافة وثقف فهو ثقيف وثقَّيف بالتشديد حَذق وحُمض جداً مثل بصل حِرِّيف .. وثقِف الرجل : ظَفِر به وثقفته أي صادفته وثقفنا فلاناً في موضع كذا أي أخذناه ومصدره الثَّقْف وفي التنزيل العزيز "وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ " ، والثِّقاف ما تسَّوى به الرماح وتثقيفها تسويتها والثِّقاف والمثاقفة العمل بالسيف والثَّقاف حديدة تكون مع القواس والرَّمَاح يقوم بها الشيء المُعْوج .
الثقافة هي أنماط من السلوك والقيم التي تميّز الأمة عن غيرها من الأمم أو هي مجموع السمات الروحية والمادية والفكرية والعاطفية الخاصة التي تميز مجتمعاً بعينه أو فئة بعينها وهي تشمل ( الفنون والآداب وطرائق الحياة والإنتاج الاقتصادي كما تشمل الحقوق الأساسية للإنسان ونظم القيم والتقاليد والمعتقدات ) وهذا يعني أنَّ قطاع المثقفين يشمل كل من له إسهام في الجهد الثقافي بمعناه الواسع وأولئك الذين يؤثرون في هذا المجال ويحملون خصائصه فالثقافة وبتعبير موجز هي الفكر القومي للأمة .
الثقافة في تعريف آخر هي المفاهيم التي تحرص عليها الأمة في شؤون الفكر والاجتماع والاقتصاد وغير ذلك من أمور الحياة ومن مكوناتها ( التربية والتعليم والآداب والفنون ) وهي طريقة الحياة الكلية للشعوب أو هي ضروب النشاط في مختلف الميادين مثل الفن والأدب وتشتمل على كل ما صنعه الإنسان وابتدعه من الأفكار والأشياء وطرائق العمل فيما يصنعه ويوجده وتتكون من الطرق التي يتعلمها ويكسبها الإنسان للعمل والشعور والتفكير أكثر من كونها وراثية أي محددة .
إنَّ مفاهيم الأمة واضحة الدلالة في ذاتها مرعية الجانب لدى أبنائها واسعة التداول والانتشار لدى غيرها وأنَّ لا أحد يهمل في نشر ثقافته أو يجعلها تذوب في ثقافة غيرها أو تتلاشى في عقول أبنائها إذ هي الصورة الحيّة التي تحدد ملامح شخصية الأمة وقوام وجودها وللثقافة آفاق تتعلق بالفكر والسلوك والنظم والعلائق الإنسانية ونحوها وهذه الآفاق يضيق المدلول اللغوي كما أسلفت عن استيعابها أو احتوائها وهي بذلك أشبه ما تكون بمصطلحات عديدة أصبحت شائعة في هذا العصر بدلالات لم تكن معروفة لها من حيث الأصل والاستعمال من قبل فهي مصطلح يجري على الألسنة يصعب الوصول معه إلى حدود منطقية دقيقة .
إن الثقافة في بعض التعريفات هي ذلك الكل المعقد الذي ينطوي على ( المعرفة والعقائد والفن والأخلاق والقانون والعرف وغير ذلك من القدرات ) وإذا قلنا إنَّ الثقافة هي المفاهيم الأساسية التي تحرص عليها الأمة فإنه ومن أجل نشرها وجعلها واسعة التداول تُعقد لها المؤتمرات وتؤلف من أجلها الكتب وتعد الدراسات وتصدر النشرات وتوضع مناهج التربية والتعليم وتستخدم وسائل الإعلام والتوجيه لتوضيح هذه المفاهيم وشرحها وبيان خصائصها وتفصيل وجوه النفع فيها .
إلى الثقافة يعود الفضل فيما وصل إليه أفراد المجتمع من مستوى اجتماعي وحضاري وهي بما فيها من مفاهيم ومدركات مصطلح عليها في المجتمع تكسب الجماعة صفات وخواص مميزة تنعكس في فكر أفراد الجماعة وأعمالهم .
إنَّ ثقافة كل أمة تقوم على أساس من القيم التي تسود مجتمعها وهي قيم وثيقة الصلة بالعقيدة والفكر والسلوك ونمط الحياة ووجهة الحركة وتحديد الهدف وهي عماد التراث الروحي والنفسي والاجتماعي ومحور التاريخ في جوانبه المتعددة وأبطاله البارزين ومواقفه الفاصلة .
يجمع بين الثقافة والحضارة معنى المعرفة المتقدمة واستخدامها في شتى المجالات وقيل إنَّ مفهوم الحضارة مختلف عن مفهوم الثقافة فالأولى تعني التقدم الصناعي والزراعي الذي يستخدمه الإنسان في رقي حياته فهي خاصة بالأمور المادية أمَّا الثقافة فهي تعبر عن الجوانب الروحية والعقلية في التقدم الإنساني فهي خاصة بالأمور المعنوية والروحية فمعنى الحضارة إذن أوسع دلالة من الثقافة وأياً كان الأمر فالعلاقة بينهما علاقة تلازم وقيل هما وجهان لعملة واحدة وبين الأمور المعنوية والمادية تفاعل دائم في المجتمع .
للثقافة خصائص أبرزها أن الثقافة اكتساب إنساني يتم من خلال عملية تسمى التنشئة الثقافية وأن الشخص يكتسب الثقافة باعتباره عضواً في المجتمع فالحياة الاجتماعية تصبح مستحيلة دون وجود التفاهم والممارسات المتبادلة التي يشارك فيها الناس جميعاً وأنَّ الثقافة كل معقد تتمثل وحداته فيما يسمى السمات الثقافية وتسمى المجموعة المتقاربة من السمات الثقافية النمط الثقافي مثال ذلك التقاليد المرتبطة بالزواج والمراحل السابقة له والتودد وتشكل هذه المجموعة نمطاً ثقافياً محدداً.
لمعظم الجماعات الكبيرة سماتها الثقافية الخاصة التي تلائم ظروفها وحاجاتها وتؤمن بقاءها واستمرارها ومثل هذه المجموعة من السمات الثقافية يمكن تسميتها ثقافة وتمتلك الأمم ومعظم القبائل وحتى بعض القرى الثقافة بهذا المعنى .
الثقافة مؤثرة في المجتمع وعلاج مشكلاته والوفاء بحاجاته إذا ما نمت نمواً صحيحاً في مناخ سليم وإذا لم تكن عاجزة مشلولة الحركة عديمة التأثير والتيارات المتعددة موجودة في الثقافة العربية قديماً وحديثاً لا ريب في ذلك ولابد من نظرة أشمل وأعمق لموضوع الارتباط التاريخي على أنه ارتباط بالدين الإسلامي وبالجذر الثقافي العربي العميق وثقافتنا الوطنية ليست بمعزل عن الثقافة العربية .
أمّا الجدل الثقافي فإنَّ هناك من يرى أنَّ الحوار الثقافي مهم والحاجة تدعو إليه وإننا مطالبون بالبحث والتنقيب عن قواسم مشتركة تجمع وتضفي على الشخصية الثقافية طابع التكامل والتعاضد لا طابع التناقض والتباعد وإنَّ الحوار إنما هو واجب وطني ومطلب عربي وإسلامي وإن تأريخ الثقافة المعاصرة لم يتم بطريقة دقيقة توضح التيارات المتباينة وأنه لابد من الحوار ومحاولة إعادة صياغة الإشكالية من منظور الشروط الضرورية لإقامة الحوار عن الثقافة العربية المعاصرة وهذه آراء قابلة للأخذ والرد والتأمل والمنافسة وإذا قيل عن الفكر والثقافة إنَّ الفكر هو وجدان الأمة الفاعل والثقافة وجدان الأمة المتفاعل فإن الإبداع جوهر في كيان الثقافة له شأن في سيرورة الحياة وصيرورتها وفي جدلية العلاقة بالمجتمع بوصفه مؤسسة لها قوامها وقيمها ومقوماتها وشأن في الوجود الفاعل والحضور المتألق .
هناك من يرى أنَّ انشغال التيارات الثقافية بكيفية التعامل مع ثقافة مصنوعة وافدة عبر وسائل الاتصال تهدف إلى تكوين شخصية إنسان مستهلك يتمشى مع متطلبات العولمة وإنَّ الدعوة للتماثل الثقافي هي وسيلة التبعية الثقافية وإن اختلاف التيارات الثقافية يصبح مدعاة لتشتيت السلوك وتبديد القيم والأمة لا تفرض عليها التبعية الثقافية إلاّ إذا تعرضت للتشتيت الثقافي .
تتغير كل ثقافة وقد يكون معدل التغيير سريعاً أو بطيئاً ولأن الثقافة تتكون من عدة أجزاء مترابطة فإن أي تغيير في أحد الأجزاء لابد وأن يؤثر في الأجزاء الأخرى وعند بعض علماء الاجتماع أن كثيراً من المشكلات الاجتماعية تظهر لأن بعض أجزاء الثقافة تتغير على نحو أبطأ مما تتغير به الأجزاء الأخرى ويشير مصطلح التخلف الثقافي إلى هذا الميل في بعض أجزاء الثقافة للتخلف وراء الأجزاء الأخرى المرتبطة بها .
يتغير العلم والتقنية على نحو سريع فيتجاوزان الثقافة غير المادية ومن العوامل التي تسبب تغير الثقافة التغيرات التي تحدث في البيئة والاحتكاك بالثقافات الأخرى والاختراع والتطورات التي تحدث في داخل الثقافة ذاتها .
على المثقف أن يكون على صلة بالمعرفة ونموها وتطورها وأنْ لا يكون منفصلاً عن حوادث العالم سلمه وحربه وإذا كانت الثقافة تشمل مجموع النشاط الفكري والفني بمعناهما الواسع وما يتصل بهما من المهارات أو يعين عليهما من الوسائل فهي موصولة الروابط بجميع أوجه النشاط الاجتماعي الأخرى فمصطلح الثقافة يشمل مجموعة المعارف والقيم والالتزامات الأخلاقية المستقرة فيها وطرائق السلوك والتصرف والتعبير وطرز الحياة .
إذن الثقافة تتغير وهي ذات خصائص كما أنها ذات مؤثرات منها المناخ والأرض والموارد الطبيعية والحيوانات وذات ملامح تختلف باختلاف الثقافات فإذا كان الطعام ضرورة للإنسان فإن كيفية الحصول عليه ووسائل توزيعه وإعداده تختلف وكذا أشكال الزواج وأنساق القرابة .
يمثل المثقف ضمير المجتمع ويقع عليه ما يقع على الضمير من عبء ومسؤولية في كيان الفرد وهو بهذه الصفة يمثل الضمير الجمعي ويعبر عنه ويحمل أرقه وقلقه ويكثف درجة الحساسية الاجتماعية في تعبيره عنه وللمثقفين دورهم في تخفيف البؤس البشري والظلم اللذين يقعان على الآخرين ودورهم في رسم صورة عالم الغد وملامحه .
أمّا أهم ملامح الثقافة الوطنية فهو أنها ثقافة منفتحة على الآخر ذات بعد عربي له عدة روافد ومن هذه الروافد المدرسون العرب الذين جاءوا في وقت مبكر فاختلطوا بالمجتمع فأثروا وتأثروا والأدباء العرب الكبار الذين زاروا المملكة خاصة أقليم الحجاز قبل النهضة التعليمية مثل العقاد ومحمد حسين هيكل وعبد القادر المازني والفاضل بن عاشور ومحمد البشير الإبراهيمي وابن باديس وكذا مشاركة بعض الكتاب العرب في الحركة الثقافية الوطنية الذين قدَّموا لبعض الإنتاج العربي السعودي وتفاعل الثقافة الوطنية مع الثقافة الغربية ووجودها في الحركة الثقافية العربية الرسمية كما حدث حين انعقد الملتقى الثقافي في جدة عام 1374هـ وشاركت فيه وفود من مصر والشام ولبنان والعراق وتونس والمغرب واليمن إضافة إلى المملكة حيث كان الاجتماع الرسمي للجنة الثقافية لجامعة الدول العربية وحركة النشر خارج الوطن إذ أن عدداً من الكتب الوطنية تمت طباعتها في مصر في وقت مبكر .
كذلك البعثات التعليمية التي شرقت وغربت مشاركة في النهضة العلمية العربية فبدأت بالتوجه إلى مصر ثم بقية الدول العربية وأوربا وأمريكا لدراسة العلوم والفنون والأدب وإنشاء المعاهد العلمية والجامعات التي دفعت في الحياة دماً جديداً ونبضاً دافقاً لأجيال بنت فوق ما بنى الأجداد وأضافت إلى التراث وأعانت على بناء نهضة متطورة متجددة وإسهام المؤسسات الثقافية ودور النشر والصحافة والدوريات ووسائل الإعلام في النتاج الثقافي وتنظيم الأسابيع الثقافية والمهرجانات.
للأندية الأدبية وجمعية الثقافة والفنون أيضاً دورها الثقافي بحيث أصبحت منذ قيامها روافد هامة للتواصل مع مثقفي الوطن العربي وتقديم المزيد من الأدب المحلي بملامحه المميزة التي تعني بالجوانب التاريخية والبيئية والتراثية .
إن الذي تجب ملاحظته هو إنَّ أبعاد الانفتاح على الآخر لا تنفي عن ثقافتنا أنها ثقافة ملتزمة دون انطواء ودون غلق الأبواب في وجه الجديد ولكن الالتزام يعني أن هذه الثقافة تحكمها ثوابت تشكل حماية من الانزلاق دون أن تشكل عائقاً لها ولعلي اقتبس من لقاء ثقافي نظمه النادي الأدبي بمنطقة حائل شارك فيه معالي الدكتور راشد الراجح والأستاذ عبدالفتاح أبو مدين والأستاذ عبدالرحمن العبيد الآتي: "لقد أسهمت المؤسسات العلمية والمرافق الحضارية والثقافية في كافة أنحاء المملكة في تشكيل الثقافة وتكوينها وإذا كنا لا نستطيع أن نفصل بين ملامح الثقافة الوطنية السعودية وملامح الثقافة الإسلامية فإن أهم مميزات ثقافتنا أنها طبعت بخصائص إسلامية تقوم على الفضيلة والأخلاق الحميدة وتحارب الرذيلة وتغرس في النفوس الأيثار وحب الآخرين كما تضرب في عمق التاريخ بما تدعو إليه من مكارم الأخلاق مرتفعة فوق الأقليمية الضيقة ".
"الثقافة المطلوبة هي التي تخلص الإسلام من شوائب الاستغراب وتشد أزر المسلمين في صراعهم الديني مع الحضارة المتسلطة بكل شراستها ومكرها وأدواتها التقنيّة المتقدمة كما أنها ثقافة ترفض الجمود والتخلف بدعوى رفض كل جديد وترفض العلمانية الملحدة التي تعتبر الدين عقبة في طريق البناء الحضاري وترفض العنصرية المستغربة التي تدعو لمسخ الشخصية الإسلامية ".
" عدّ بعض الباحثين التراث جزءاً رئيساً في الشخصية الإسلامية التي تحقق انتماءنا لعروبتنا وإسلامنا أمّا من يدعي عالمية التراث فمردود عليه بتميز الثقافة الإسلامية بالعقيدة التي تشكل اللغة العربية عمودها الفقري كما أنَّ الدعوة إلى العالمية ذات جذور صليبية " .
" إنَّ ثقافتنا الوطنية تتميز إضافة لما سبق بكون اللغة العربية وسيلتها للانتشار وأنها ثقافة أصلية قادرة على المعاصرة ومجاراة الزمن دقيقة في تعابيرها سليمة في مقاصدها تعتز بالتراث وتتصف بالشمول ".
" إذا كانت الحضارة الحديثة أهملت الاهتمام بالروح فأصبح العالم بحاجة إلى دين جديد يجعل غايته الإنسان فإن من خصائص الثقافة العربية والإسلامية خاصية التجاوب والتفاعل التي تمنح الفرد الحرية ليصبح خليفة في الأرض للإصلاح لا للفساد وقد جاءت هذه الثقافة بالعدل والإحسان والصدق والمساواة فأبرزت الشخصية الإسلامية على مر التاريخ في نماذج بشرية واقعية من أمراء وقادة وأفذاذ وعلماء ومفكرين ".
" للغة أهمية في الثقافة وهناك حرب موجهة إليها فالاستعمار الغربي رغم ما صبه على المسلمين من البطش والتنكيل وأنزل به ضروباً من الفتن لا تساوي ظلماً ارتكبه الاستعمار حين فرض علينا أنظمته التربوية الحديثة الغربية الغريبة عن معتقداتنا وديننا لقد حاول بهذه الطريقة أن ينشئ فينا أجيالاً تتنكر لشخصيتها الإسلامية وتبغض دينها وتبصق على تقاليدها وتنظر إلى تاريخها الحافل بالأمجاد نظرة احتقار وجعلها تقنع بتفاهة ثقافتها الإسلامية ".
" إنَّ الثقافة الإسلامية تعني ببناء الشخصية الإسلامية ثقافياً وروحياً بعكس الثقافة الغربية التي لا تعطي الجوانب الروحية أي اهتمام يذكر وأهمية المحافظة على الثقافة الإسلامية لا ينفي الاستفادة من التطور في الثقافات الأخرى دون تبعية أو تقليد للمحافظة على خصائص الشخصية الثقافية دون إفراط أو تفريط حيث أن ملامح الثقافة الوطنية السعودية هي ملامح الثقافة الإسلامية ".
" إنَّ الثقافة تاريخ ومتغيرات وخصائص بما في ذلك المتغيرات الثقافية في العصر الحديث والغرب أخضع الثقافة لاعتبارات عقدية وفلسفية والاشتراكيون يرون إنها ذات علاقة وظيفية بالجماعة وفلسفة المجتمع ".
" أمّا الثقافة العربية الإسلامية فتتميز بكونها نتاج للإنسان والمجتمع معاً وهي ليست بحاجة للاتكاء على ثقافة الإغريق أو التمرد والإنحلال والضياع ".
" وخصائص الثقافة الوطنية تتفق مع ثوابتنا مما يحمينا من الانغماس في الأدب المنحرف والفكر المريض والمسرح المنفسخ وألوان المتعة الحرام ونستفيد من معطيات العصر ونأخذ منه حاجاتنا ونترك مالا يتفق مع القيم والثوابت ".
" نراعي المتغيرات التي تفرضها ظروف العصر ونقدر التعامل مع البيئة الصناعية التي يشاركنا فيها جزء كبير من البشر مثل الفضائيات والمتغيرات الناتجة عن تطور الاتصالات بالثقافات الأخرى أو ما يسمى المثاقفة مضافاً إلى ذلك التطور الداخلي في ثقافتنا ذاتها إذ أننا نعيش في واقع متغير نؤثر فيه ونتأثر به مع ملاحظة أننا نواجه اليوم بثقافة غربية تبث نفسها بكل قوة إلى مختلف أنحاء العالم محاولة فرض نفسها تحت مسمى الثقافة العالمية ونحن نمتلك ثقافة ذات أبعاد عديدة عالمية متسعة الأفق شاملة متكاملة متوازنة وسطية إيجابية واقعية تدور حول محور واحد هو عبادة الله عز وجل مع الأخذ في الاعتبار عمارة الدنيا وبناء الحضارة فالحكمة ضالة المؤمن ".
" ثقافتنا ثقافة إسلامية لغتها اللغة العربية باعتبارها لغة القرآن ووعاء السنة تقوم على التاريخ المشترك والآداب والعلوم والفنون المنضبطة أخلاقياً وعقائدياً فترسخ الإيمان وتقويه وتنمي الحس الجمالي دون الخروج على الثوابت والعادات والتقاليد المنضبطة أخلاقياً وعقائدياً مع الاستفادة من تجارب الأمم وخبراتها ".
"لابد من التأ كيد على بناء جيل متماسك الشخصية محدد الهوية واثق من نفسه مؤمن برسالته يمكن أن يدخل القرن الجديد أو العالم الجديد بشخصيته وثقافته المتميزة لتسهم في الثقافة الإنسانية برصيد متميز مع أهمية التحصين الثقافي أمام التيارات المعادية وهو من أوجب الواجبات اليوم لتبقى للأمة شخصيتها وثقافتها النابعة من عقيدتها بعيدة عن مزالق الفكر الخطر ".
" كذا العناية بأدب الطفل والتأكيد على أن ثقافتنا تقوم على ركائز وقيم إسلامية لا يمكن أن تقبل بالجمود أو التباكي بل هي ثقافة متجددة تسعى للتطور والاطلاع والنمو إلى الأفضل في أطر الحق والخير والجمال ولابد من الاستمرار في التربية على الثقافة والقراءة الواعية بحيث تصبح المكتبات جامعات مفتوحة ومراعاة الخطاب الإعلامي الذي يجب عليه أن يوضح ملامح ثقافتنا الوطنية وإن الاستفادة من الآخر شرقاً وغرباً ليست عيباً بل العيب هو الانغلاق على الذات وإذا كانت قضية التعامل مع تحديات الثقافة الغربية ذات تأثير قوي على الثقافة العربية وتباينت المواقف بشأنها فإن ثقافتنا الوطنية لم تكن بعيدة عن هذا المعترك وقد رأينا في عالمنا العربي موقفاً سلبياً أمام الحضارة الغربية وكل ما انبثق منها من مؤسسات حضارية وثقافية ودعوة إلى عدم الأخذ بشيء من أسباب هذه الحضارة مع استحالة ذلك عملياً ".
" رأينا دعوة إلى التغريب والأخذ بكل أسباب الحضارة خيرها وشرها سواء ما يتعلق بالعلم والصناعة أو ما يتعلق بالثقافة وأسلوب الحياة الروحية والعقلية واللغوية والإيمان بكل قيم الثقافة الغربية ومناهجها الفكرية وفلسفتها المادية ونظمها الاقتصادية والسياسية ".
"واتجاه ثالث يريد التوفيق بين الحضارتين ويدعو إلى تقريب مبادئ الإسلام من مثل الحضارة الغربية مع الميل إلى تبني الثقافة الغربية والعمل على تطوير الإسلام والبحث عن أدلة ذلك من أقوال مفكري الإسلام ما أمكن وهذا شعور بالحاجة إلى مواجهة القضايا الجديدة باستنباط أحكام شرعية توافقها وينتهي به المطاف إلى دعوة هي المطالبة بالنظر في التشريع الإسلامي كله دون قيد ".
" لربما تطور هذا إلى التخلي عن كثير من أسس الثقافة الإسلامية بحيث تطابق الحضارة الغربية أو تقترب منها إلى أقصى ما تسمح به النصوص والمبادئ من تأويل على أقل تقدير ".
" واتجاه رابع يؤكد على الدعوة إلى احتفاظ المسلمين بإسلامهم حسب القرآن والسنة والوقوف عند حدود الفكر الإسلامي في منابعه الأصلية وإعادة تماسك الجماعة الإسلامية مع الإفادة من خير ما انجزته المدنية الغربية والعلم الغربي مع عدم الأخذ من الثقافة نفسها إلا ما كان لا يتعارض مع شخصية الأمة الإسلامية وثقافتها ".
"وهذا الاتجاه الأخير في تحدي الثقافة الغربية يرى مواجهة الحضارة الغربية مواجهة الواثق بنفسه المتمكن مما عنده من إمكانات وطاقات يميز بين الثقافة كمذهب ورأي وروح تتميز به الأمة عن غيرها وبين شؤون الحضارة والعمران والمدنية ويدعو إلى إيجاد تيار قوي يواجه الحضارة الغربية بشجاعة وإيمان مترفع عن التقليد داع إلى الأخذ بطريق مبتكر يجمع بين الإيمان المنبثق عن الاعتقاد بالأنبياء والرسل وبين العلم الذي هو ليس ملكاً لبلد أو شعب وإنما هو للناس جميعاً ".
هذا الاتجاه يحاول أن يأخذ من الدين الدوافع الخيّرة ومن الغرب الآلات والوسائل الفنية ويعامل الحضارة الغربية كمادة خام يستفاد منها للخير والشر .
" هذا الاتجاه يحاول أن يجمع بين حسنات الشرق والغرب وقوة الروح والمادة والفرد والمجتمع وهو يحاول أن يبقى المسلم على مستوى الشعور أبداً بأنه صاحب عقيدة ورسالة وثقافة ومنهج في الحياة ".
إن ما تقدم عن ثقافتنا الوطنية هو اقتباس مما ورد في ندوة النادي الأدبي بحائل عن الثقافة مع إضافة مما في كتب الثقافة في المملكة والندوات والمحاضرات التي تنظمها المؤسسات الثقافية وأود أن أؤكد على الأثر الكبير لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب في الحياة الفكرية في الجزيرة العربية وتاريخها ومجتمعها وسياستها وقد ركزت الدعوة على العودة إلى الدين الصحيح ونبذ البدع وكل ما هو دخيل على الإسلام والفكر الإسلامي والاستقاء من معين الإسلام الصافي القرآن والسنة وعلم السلف الصالح والوحدانية المطلقة التي تريح الناس من عناء الخرافات والتعلق بالأوهام.
إنَّ حديث معالي الدكتور الراجح وزميليه هو خلاصة رائعة عن ملامح ثقافتنا الوطنية وفيها تأكيد على الحرص على اللغة العربية وأن الدعوة إلى مزاحمة الفصحى بالعامية أو إحلال هذه الأخيرة محلها خطر كبير وقد أسلفت أن من مكونات الثقافة العلم والتربية والفنون والأدب بكافة أشكاله وأرى أن للغة العامية مشروعية وحق في الحياة وأنَّ أحياء المفردات الكثيرة المتداولة بين العامة وأكثرها فصيح يبدو أمراً مهماً في الدراسة المنهجية .
إن الأدب العامي من الروافد المهمة للثقافة الوطنية وأنَّ إهمال الشعر العامي قطع للصلة بين الإنسان وحياته الطبيعية وقطع الصلة بين الإنسان والحياة الطبيعية عسير عليه أشد العسر وليس هناك من يملك الفصل بين الإنسان وحياته المعاشة وإذا أريد لنا أن نكون مبتوري العلاقة بحياتنا الشعبية بجدها وهزلها بحديثها وشعرها فأننا سنحيا حياة مزيفة غير حقيقية تولد لنا الاكتئاب والانقباض .
لا أتصور أن أمة ما أو أفراداً على وجه الأرض قديماً ولا حديثاً عاشوا حياة سعيدة وهم منفصلون عن واقعهم المعاش في أي مكان كانوا ! ثم من هو ذلك الإنسان الذي لا يجد في نفسه الحنين إلى طبيعة الحياة العادية ويشتاق إليها ؟
الشعر الذي ينظمه شاعر بلسانه العامي لا يعد ثورة على الفصحى أو هجوماً عليها بل هو حديث كحديثه اليومي في حياته الطبيعية لكنه حديث مطور يلتزم بالوزن والقافية وفيه نواحٍ جمالية يعرفها متذوقوه وعجب أن يغفل المتضايقون من نظم هذا الشعر واذاعته واشاعته عن أنه موهبة لا تتأتى لكل إنسان وأن العامية لا تحول دون الموهبة وأن الإفادة العلمية من قديمه بدلالاته التاريخية والاجتماعية والبلدانية متحققة في رصده وتدوينه وتوثيقه من قبل أعلى الجهات العلمية وأن اقليميته المحكومة بلهجته المحلية لا تقف حائلاً بينه وبين أن يطرق الأغراض التي يطرقها الشعر الفصيح في أهداف متشابهة وتعبيره قوي مبدع وتناوله للموضوعات لا يختلف عن تناول الشعر الفصيح لها.
ما أحسن ما أشار إليه الدكتور طه حسين وهو يتحدث عن الأدب في جزيرة العرب وما أبلغ تصويره بسحره البياني بعيداً عن مزالقه الفكرية وهو يقول إنَّ في جزيرة العرب أدبين مختلفين : أحدهما شعبي يتخذ لغة الشعب أداة للتعبير لا في جزيرة العرب وحدها بل في البوادي العربية كلها في الشام ومصر وأفريقيا الشمالية وهذا الأدب وإن فسدت لغته حي قوي له قيمته الممتازة من حيث إنه مرآة صافية لحياة الأعراب في باديتهم وهو في موضوعاته ومعانيه وأساليبه مشبه كل الشبه للأدب العربي القديم الذي كان ينشأ في العصر الجاهلي وفي القرون الأولى للتاريخ الإسلامي ذلك لأن حياة العرب في البادية لم تتغير بحال من الأحوال فحياة القبيلة الاجتماعية والسياسية والمادية الآن كما كانت منذ ثلاثة عشر قرناً .
فطبيعي إذن أن يكون الشعر المصور لهذه الحياة كالشعر الذي يصور الحياة القديمة وأن يكون موضوعه ما يقع بين القبائل من حروب ومخاصمات تدعو إلى الفخر والمدح والهجاء والرجاء وما يثور في نفوس الأفراد من أنواع الآلالم واللذات التي تدعو إلى الغناء بالشكوى حيناً والحب حيناً آخر والعتاب مرة ثالثة .
القصيدة العربية الشعبية الآن كالقصيدة العربية القديمة تبدأ بالغزل البسيط
المؤثر ثمَّ تنتقل إلى وصف الأبل والصحراء فتطيل في ذلك ثمَّ تصل إلى غرضها من مدح أو فخر أو غيرهما من فنون الشعر ومثل ذلك يقال في الخطابة فالبدوي الآن فصيح كالبدوي القديم حلو الحديث محب للسمر والقصص إذا اطمأن واستراح خطيب بليغ إذا كان بينه وبين غيره خصومة أو جدال .
هذا الأدب العربي الشعبي يرويه في البادية جماعة من الرواة يتوارثونه عن آبائهم ويورثونه لأبنائهم ويكسبون بروايته حياتهم المادية ومكانتهم الممتازة أحياناً ولسوء الحظ لا يعني العلماء في الشرق العربي بهذا الأدب الشعبي عناية ما لأن لغته بعيدة عن لغة القرآن .
لن استرسل مع طه حسين في وصفه للأدب الشعبي كأدب يجب أن يدرس لذاته واكتفى بهذا الذي ذكرته نقلاً عنه وهو تصوير بليغ ينم عن إدراك كبير وقد أردت الاستشهاد بما قيل عن الشعر بلسان العامة في جزيرة العرب ويقيني أنَّ أهميته لدراسة اللغة ومراحل تطورها وتغيرها إنمّا هو مما لا يختلف فيه اثنان ومجال القول في هذا واسع ويكفي منه أن نقول أن الجامعات العريقة تخصص أقساماً علمية ذات مناهج معروفة مدروسة فيما يعرف باللسانيات والصوتيات فضلاً عن الإفادة من قديمة في دراسة التاريخ الذي يستأنس المختصون به في توثيق الوقائع الحربية والحوادث الاجتماعية من إشعار اشتهر قائلوها بعنايتهم برصد حركة التاريخ والإفادة من قديمه أيضاً في تعيين المواقع بلداناً وجبالاً ومنازل للعرب يحلون بها ثمَّ يتحولون عنها .
فالشعر العامي إذن مصدر مهم من مصادر البحوث التاريخية في حقبة من حقب تاريخنا المحلي ندر فيها وجود مصادر أصلية يعتمد عليها الدارسون كالوثائق أو الكتب المتخصصة لدراسة تلك المرحلة وعن طريق الدلالة التاريخية لهذا الشعر تبقى قيمته العلمية مهمة لا يمكن لعاقل أن ينكرها أو يتغافل عنها وكذا الناحية البلدانية ففي هذا الشعر ذكر للمواقع والمناهل والبلدان والجبال والأودية ومن نصوصه يستخرج البلدانيون ما يعينهم على دراساتهم المنهجية في تحديد المعالم الطبيعية في جزيرة العرب بل أن الحاجة العلمية إلى هذا الشعر تبدو ملحة في التعرف على الحياة الاجتماعية إذ هذا الشعر يصور لنا العادات والتقاليد ويقف بنا على أنواع المآكل والمشارب وأشكال الملابس والمقتنيات .
هذا عدا عن أن الشعر العامي ذو دلالة لغوية مهمة لمن يهمهم أمر الاعتناء باللهجات ودراسة تباين أبناء الأقاليم أو القبائل في النطق والفروق اللغوية التي توجد بينهم وبين بعضهم الآخر ومراحل تطور اللغة أو انحدارها وعلى هذا فإن الاعتناء بالشعر العامي ضرورة للباحثين والدارسين فضلاً عن المتذوقين وإذا قامت المؤسسات الثقافية والمراكز العلمية بتوثيق هذا الشعر ودراسته دراسة علمية والإفادة منها فإنها تستجيب في ذلك لدواعي المعرفة المطلوبة منها .
ليس في الشعر العامي ما يحسب على أنه محاربة للغة الأم فهذا الشعر وإن كانت لغته غير سليمة فله قيمته من حيث كونه مرآة صافية لحياة أبناء الجزيرة العربية فيما مضى وهو قريب الشبه بالشعر الجاهلي والإسلامي القديم في موضوعاته ومعانيه وأساليبه وفي زمننا هذا فإن من ينظمون الشعر باللسان العامي إنما هم أصحاب ملكة وموهبة شعرية لا يمكن لأحد أن يتصدى لها أو يقف في وجهها أو ينكر على صاحبها أن يتحدث عن مشاعره شعراً والأندية الأدبية تتبنى العديد من الدراسات الاجتماعية والتاريخية التي تستفيد من الأدب العامي وما تختزنه الذاكرة الشعبية وهذا يعتبر عدم إنكار للأدب العامي بل تأكيد على أن دوره ضروري ولازم في نواح عدة من القضايا المعرفية وإذا كنا لا نرى أنَّ الموروث الشعبي قد افرد بدراسات خاصة من قبل المؤسسات الثقافية كالأندية الأدبية فإن الدراسات الموضوعية لهذا اللون من ألوان الأدب إذا تمت فهي دليل على سعة الأفق وتقدير لأهمية العلم الذي لا يقف عند حد معين .
إنَّ تأثر الشعر العامي بأوضاع المجتمعات الحالية أمر طبيعي ولا غرابة في أن نلمس أثر الحياة المعاشة والتطور الذي يشهده عصرنا الحالي في ما ينظمه الشعراء من القصائد وغلبة الأقليمية على الشعر العامي بحكم لهجته المحلية أمر لا ننكره لكن بعض هذا الشعر ليس أقليمياً في أهدافه ومراميه وإن كانت لهجته محلية فهو يعالج المشكلات العامة ويطرق الأغراض التي يطرقها الشعر الفصيح وفي هذه الأغراض ما هو بعيد عن الأقليمية .
الذين ينظرون إلى الشعر العامي نظرة دونية لا يقدرون فيه أن انحراف اللسان عن الفصحى ليس مدعاة إلى احتقاره فالشاعر العامي شاعر موهبة وملكة وتعبيره قوي مبدع وتناوله للموضوعات لا يختلف عن تناول الشعر الفصيح لها .
أمَّا اتصال التاريخ بالثقافة فسأقف منه عن ودعوى إعادة كتابة التاريخ الإسلامي القديم التي تنادي بها بعض الأصوات الثقافية وهي دعوى محقة إذا كان المقصود بها إعادة قراءته .
فإذا كان من مهمة التاريخ أن يسجل الحوادث ويفسرها ويبحث عن التعليل لها مع تصنيف المواقع والوقائع واستنباط الحقائق والقيم فيها فإن المؤرخ ملزم بذكر العوامل التي توجه كل حادثة تاريخية وتحدد طبيعتها وتعطيها صفتها وهذه العوامل مختلفة متعددة فمنها عامل البيئة الجغرافية والزمانية ومنها طبيعة الأفكار والأنظمة والعقائد والمذاهب ذات الاتجاهات والنزعات وكذلك جماعات الناس ذات الميول والنفسيات والطبائع والأخلاق والأفراد الذين يلعبون دورهم فيها برغباتهم وطبائعهم ونفوسهم .
نستطيع أن نقول إنّ ما تقدم من هذه العوامل هي مكونات الواقعة التاريخية ولكل عامل منها أثره في حوادث التاريخ وهي عوامل قد تتشابك أحياناً وتشترك في تكوين الحادثة التاريخية وقد يتميز أحدها تميزاً واضحاً عن الآخر .
المؤرخ مطالب بأن يكشف أثر هذه العوامل من الحوادث ذاتها وبذا يكون التاريخ قد سجل الحوادث تسجيلاً دقيقاً وفسرها تفسيراً صالحاً وبيَّن لنا كيف تَكَوَّن هذا الحادث من مجموعة تلك العوامل كما أنه مطالب بأن يبين أثر كل عامل في الحادثة التاريخية عامل الجماعات في نزعاتها وطبائع أهلها ونشاطها أو خمولها واتساقها أو تنافرها وعامل الأفراد المشاركين في حوادث التاريخ من حيث رغباتهم وطبائعهم ومصالحهم والعامل المادي الاقتصادي وعامل الأفكار والعقائد والمذاهب والأنظمة التي تسود الجماعات والعامل الزمني والعامل المكاني أو الجغرافي .
نحن هنا في شأن التاريخ بين أمرين مهمين الأول منهما هو ما تقدم من العوامل التي تكوّن الواقعة التاريخية والثاني هو أن العثور على المادة التاريخية مهم جداً لكن الأهم منه هو فهم الوثائق والنصوص والحوادث المعروفة فهماً صحيحاً وبيان العوامل الأولى للحوادث مع الربط بين الأسباب والمسببات ومعرفة التفاعل الذي حدث بين مختلف تلك العوامل وما آل إليه ذلك التفاعل وهذا الأمر مرتبط بما سبقه لكننا نقول عن الأول إنَّهُ الحادثة أو الواقعة التاريخية كما وقعت أو كما حدثت بعواملها المكونة لها ولا بد من إدراك هذا لكن الثاني وهو الأشد كلفة هو الفهم والتفسير والتعليل وهو ما يمكن أن نسميه بفقه التاريخ ويرتبط به معرفة الرواة والأخباريين والمؤرخين الأوائل من حيث النزعات المذهبية والولاءات السياسية والانتماءات الحزبية والمنابت العرقية إذ إنّه لابد أن تظهر في كتابات هؤلاء ملامح من آثار انتماء ونزعة وولاء كل شخص منهم.
إنَّ فكرة إعادة تدوين التاريخ تعني فكرة إعادة قراءته من كل المصادر المتضاربة بالمعنى الذي ألمحنا إليه وهو أن لا تدرس النصوص بمعزل عن أصحابها وإذا كانت هناك دعوى لدراسة النصوص مفصولة عمن أَدَّوْها لنا فإن هذه الدعوى مرفوضة تماماً وإذا جاز ذلك في بعض الدراسات العلمية خارج إطار البحوث الإنسانية كالأدب فإن تطبيقها على التاريخ يبقي جنايه إذا ما تمَّ وفكرة إعادة تدوين التاريخ تهدف إلى الوقوف في وجه ما يعمد إليه كثرة من الباحثين من استنفاذ الأخبار حتى يتجمع لهم أكبر قدر من المتناقضات ولا شيء غير ذلك وهؤلاء يستنفذون الأخبار ويضعونها في موضعها مع أنها متناقضة متضاربة لا يمكن أن تجتمع .
إنَّ دور التاريخ قائم في كل لحظة ونطلب دوره إذا احتجنا لشاهد حقائقه في ميادين منها: إذا أردنا أخذ حكم الحاضر من الغابر عند اتحاد ظروف وأحوال الوقائع وإذا أردنا أحكام السنة الكونية لنسبر بها توقعنا للناظر وإذا أردنا الاستشهاد بكينونة واقعة لنا أو علينا ـ وها هنا دور التوثيق (مصطلح التاريخ) ـ لمعرفة صحة الواقعة من جهة حدوثها ـ وهاهنا دور معرفة سند الواقعة ودور الفكر العلمي ( الفقه التاريخي ) ـ لمعرفة صحة دلالتها على المراد ولعل من شر ما أُبتلى به التدوين التاريخي الإسلامي القديم على سبيل المثال هو احتضان كثير من الرواة وأهل التصنيف للقصص الإسرائيلي وهذا ما ألقى ظلالاً كثيفة من الأساطير على التاريخ الإسلامي بصفة عامة والسيرة النبوية بصفة خاصة.
لقد اعتمدت أخبار السيرة على الخوارق غير الاعتيادية وضخمت صورتها قبل البعثة بحشد عدد من الإسرائيليات مع أن كثيراً من وقائع السيرة وأخبارها ليست بحاجة إلى أن تتكلف فيها الشروح والتفاسير والتعليقات .
ومن شر ما ابتليت به الكتابة التاريخية العربية القديمة أيضاً هو أن بعض الروايات بالغت في الحط من شأن العرب في تاريخهم الجاهلي ودوافع هذا الافتراء إمَّا المبالغة في محاولة إظهار محاسن الحياة الإسلامية وأن حياة العرب في عصرهم الجاهلي مغايرة تمام المغايرة لهذه الحياة الجديدة فهي لذلك حياة منحطة تبدو الأمة العربية القديمة من خلالها حقيرةً منذ بدايتها تاريخها مليءٌ بالسيئات وملطخٌ بما يُنْدى الجبين له من السوءات حتى إنّ بعض الرواة كادوا أن يخرجوا بالعرب عن الآدمية ولا يعدونهم في أخلاقهم من بني الإنسان وإمَّا للوقوع تحت تأثير العصبية الجنسية واكتفي بهذين المثالين للدلالة على أهمية إعادة قراءة التاريخ خدمة للثقافة لشدة ارتباطها به .


http://www.vb.fadhaa.com/showthread.php?t=20644
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://afaqbouz.yoo7.com
 
نظرات في الثقافة / الدكتور عبدالرحمن الفريح
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
جمعية الآفاق للتربية و الثقافة ببوزنيقة :: تطوير الذات الجمعوية :: تطوير العمل الجمعوي-
انتقل الى: